إن المكتب السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية المجتمع بمراكش أيام 04 و05 و06 نونبر 2022، وبعد تداوله بشأن تطورات الوضع الدولي التي اتخذت منعطفا قاتما، ينذر بمخاطر جديدة وكبيرة، حيث أصبحت النزوعات الفاشية واضحة، كما أن الحشد العسكري والعنف واللجوء والعنصرية والاحتكار، والعديد من الممارسات، التي تعهد المجتمع الإنساني تحييدها، أصبحت اعتيادية في العديد من مناطق العالم.
وبعد تحليله لتطورات السياق الوطني، بما يتطلبه من يقظة وطنية كبيرة، من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية، وإعطاء الدستور الجديد دورا مهيكلا في ورش الإصلاحات الكبرى، عبر تأويله تأويلا ديمقراطيا، بهدف بناء الدولة الاجتماعية العصرية، وضمان التنمية المتوازنة والمستدامة، التي هي في الواقع عبارة عن حلقات متتابعة من المنجزات الملموسة، يستفيد منها المواطن، وتعيد له الثقة، وتعزز المناعة الوطنية للصمود في وجه تحديات وصعوبات الظرفية العالمية الدقيقة.

وتبعا لما أقره في رسم الخطة السياسية والتنظيمية، المواتية لتنفيذ مقررات المؤتمر الوطني السادس، المنعقد أيام 25 و26 و27 مارس 2022 بمدينة العيون، بشأن تنمية العضوية وتشجيع الانخراط في الحزب، وإعادة جدولة هيكلته القطاعية والترابية لضمان تمدده لملامسة انشغالات المواطنين، وتأهيل المهام النضالية عبر التكوين والتأطير السياسيين لكوادر الحزب. إضافة إلى تجديد وتأهيل أساليب الحكامة الحزبية في تدبير مختلف شؤون الحزب.

فإن المكتب السياسي لحزب جبهة القوى الديمقراطية يعلن ما يلي:

– قلقه المتزايد من ضبابية المرحلة، التي دخلها العالم إثر الجائحة الوبائية، خصوصا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، حيث تعرض الاقتصاد العالمي، الضعيف أصلا جراء تدابير الاغلاق وانقطاع سلاسل التوريد، إلى صدمات متتالية مقلقة، وبدأت المخاطر تتحقق على أرض الواقع، فتباطأ النمو، وارتفع التضخم، وبلغت أسعار الطاقة والغذاء مستويات قياسية. وشرعت الحكومات، تبعا لذلك، تتبع سياسات مغايرة لإيديولوجيات العولمة، المبشرة بخلق سوق عالمية، وفتح الحدود أمام تنقل الرساميل والبضائع والبشر، بما ينذر دخول النيو ليبرالية المتوحشة أزمتها الكبرى الشبيهة لتلك التي تسبق انهيارها؛

– ارتياحه في ظل السياق الدولي المتفجر لقرار مجلس الأمن رقم 2654 ، الذي اتخذه بشبه إجماع أعضاءه، وهو القرار الذي يؤشر على وعي المنتظم الدولي بجوهر النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، بما يشدد عليه من حاجة حيوية إلى الوصول إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم، عبر تحفيز الحوار ودعوة الأطراف المعنية للمشاركة الإيجابية في الموائد المستديرة، وبما يعبر عنه من ثقة المنتظم الدولي في مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية كأساس جدي وذا مصداقية في الوصول لهذا الحل السلمي، الذي من شأنه تعزيز الأمن وإطلاق قاطرة التنمية بالمنطقة؛

– إشادته بجهود الديبلوماسية المغربية في إحباط المناورات، الرامية إلى لم شمل بقايا الأنظمة الشمولية المناوئة لوحدة الصف العربي عوض لم شمل العرب قاطبة في القمة العربية الحادية والثلاثين، وبالحكمة المغربية في الحرص على المشاركة الإيجابية في هذه القمة رغم مضايقات البلد المضيف، مع الترحيب بدعم القمة للجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، من أجل الدفاع عن القدس وتقديم العون للمقدسيين. وبرفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها وسيادتها على مواردها الطبيعية؛

– استعداده للعمل من أجل وحدة اليسار المغربي، بالنظر لحاجة الأوراش الكبرى المفتوحة ببلادنا إلى المساهمة الفاعلة لقوى اليسار، انطلاقا من الاصطفاف المبدئي الواضح، وفي مقدمتها وضع وترسيخ ركائز الدولة الاجتماعية، ومباشرة إصلاحات قانونية مهيكلة، ترتبط بمراجعة مدونتي الأسرة والقانون الجنائي، وبإقرار وتنزيل قوانين الإطار، كتلك الخاصة بالتعليم والصحة والاستثمار، إضافة إلى العديد من الأوراش التي يمكن أن تشكل قاعدة للاقتصاد التضامني، كذلك الذي فتح لتأهيل أراضي الجموع، وتأمين المخزون الوطني الاستراتيجي، وغيرها من الأوراش التي من شأن مساهمة اليسار الرفع من سقف الطموح والتطلعات بشأنها؛

– مطالبته الحكومة والبرلمان ببلورة ميزانية، تعبر عن إرادة سياسية حقيقية، للرفع من وتيرة النمو والحفاظ على منسوب السلم الاجتماعي، ميزانية تتناسب مع حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، ولا تخدم مصالح طبقة معينة على حساب ما تبقى من الطبقة الوسطى، بقدر ما تدعم قوة العمل، وتحافظ على القوة الشرائية للمواطنين، عبر محاربة التضخم الواقعي لا المحاسباتي، والابتعاد عن حسابات التوازنات المالية المكرسة لنهج التقشف، والهجوم على ما تبقى من الطبقة الوسطى؛

– تضامنه مع كل الحركات الاحتجاجية في المغرب، التي يخوضها المحامون والأطباء ورجال ونساء التعليم وغيرهم من النضالات المشروعة ضد التحفيض الجائر بآيت توسا، ومن أجل تحقيق مطالب قوارب الصيد المعيشي بواد الذهب، وكل التعبيرات السلمية للترافع من أجل الفئات المتضررة بفعل غلاء المعيشة، والتي لا تعبر فقط عن رد الفعل اتجاه الأوضاع الاجتماعية والسياسية، التي تعاني منها شرائج اجتماعية واسعة، بل تعبر عن يقظة شعبية، وترسخ الحق في التعبير عن الرفض والتعدد، الذي يميز المجتمع المغربي، مع مطالبة الحكومة بالتعبير عن رغبة جادة في إقامة حوار اجتماعي مسؤول ومفتوح على مقترحات الشركاء الاجتماعيين، بما من شأنه تحصين مقومات السلم الاجتماعي؛

– مصادقته على عمل خطة عمل مرحلية لتجديد وتأهيل عمل الحزب، تعكس الإرادة الأكيدة لاستثمار الدينامية السياسية والتنظيمية
المنبثقة عن المؤتمر الوطني السادس، من أجل استنهاض العمل الجماعي المنظم، عبر تثمين قيم الانفتاح الفكري والتنظيمي، وتعزيز التشاركية وتلازم المسؤولية بالمحاسبة، وترسيخ نهج تكافؤ الفرص والتجديد المنتظم لعمل وتكوين أجهزة الحزب، وتشجيع النقاش الحر والنقد الذاتي البناء.

وحرر بمراكش يوم 06 نونبر 2022.