خصت جريدة المنعطف في عددها الصادر الاثنين 4 أبريل الجاري الباحث و المهتم الأخ المصطفى أحسني بحوار مستفيض، سردا و تحليلا، حول تطورات قضية الوحدة الترابية للمملكة، منذ أن طالب المغرب بإدراج الملف في لوائح اللجنة الرابعة، يوم كانت الصحراء تحت احتلال اسبانيا، و  تسلسل المحطات التي أعقبتها، إلى  وصول المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، إلى مكتب الأمين العام ألأممي.

و تعميما للفائدة، و استجلاء لجملة من الحقائق التي لا تصمد أمامها كثير من الأخطاء و المغالطات، ندرج نص الحوار كما نشرته الجريدة.  

  *تعتبر قضية  الصحراء المغربية   من الأولويات التي تستحوذ على السياسية المغربية، وقد عمرت هذه المشكلة المفتعلة حول الوحدة الترابية للمغرب أربعين سنة، هل بإمكانكم كباحث ومهتم بالقضية وواحد من أبناء الأقاليم الجنوبية المسترجعة أن تقرب القارئ من أهم المرحل التاريخية التي مرت منها هذه القضية؟ 

  **من الضروري التأكيد على أن الظرفية الحالية تشكل منعطفا جديدا وهاما دخلته القضية خلال السنوات القليلة الأخيرة ، وتحديدا من العام 2007 مع تقديم المملكة المغربية لمقترح الحكم الذاتي، وهنا أذكر المحاولات اليائسة لخصوم وحدتنا الترابية الذين يبذلون كل ما في وسعهم لتقويض المسيرة المغربية في البناء والتنمية والازدهار،والتشويش على المبادرة المغربية، حيث حاولوا توظيف كل الوسائل للتغطية عن فشلهم في مواصلة ترويج المغالطات ،وهنا لابد من الإشارة إلى أن المغرب قد أسس لأسلوب وسياسية جديدة في التعاطي مع القضية،من خلال هذه المبادرة التي لقيت كل أشكال الترحيب والتنويه من المجتمع الدولي.

  *نعم قبل الحديث عن المبادرة المغربية المتمثلة في مقترح منح الأقاليم الجنوبية المغربية حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية، نريد التذكير بأهم المحطات التي سبقت هذا المقترح، على الأقل منذ بداية التسعينيات؟

  **بالنسبة للقضية فقد مرت من عدة مراحل تاريخية،لكن لابأس من الوقوف عند ثلاث محطات تاريخية هامة، المحطة الأولى ،لما تقدم المغرب في بداية الستينيات، في إطار استكمال وحدته الترابية، بطلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إدراج المسألة في لوائح اللجنة الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار ،حيث صنفت الأمم المتحدة الأقاليم الصحراوية الجنوبية  ضمن الأراضي التي لا تخضع لحكم ذاتي، والتي ينطبق عليها ما يعرف بتصفية الاستعمار سنة 1963.وفي العام 1965 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (xxi 2072) الذي يطالب إسبانيا بإنهاء استعمارها للصحراء المغربية، وللتأكيد فقط، فهذه الخطوة التي اتخذتها الأمم المتحدة كانت بطلب من المغرب.

   ثم المحطة الثانية والتي يمكننا الحديث عن مرحلتين هامتين ،مرحلة العودة لأحضان الوطن الأم من خلال المسيرة الخضراء سنة 1975، و هنا تدخل القضية منعطفا جديدا تمثل في تكالب الخصوم على المغرب وتحريضهم على الدخول في حرب مسلحة رغبة منهم في تحقيق أهدافهم التي فشلوا فيها بشتى الوسائل الأخرى، ويستمر المغرب في سلك كافة القنوات والسبل المشروعة للدفاع عن وحدته الترابية في إطار إجماع وطني وحد جميع الأطياف السياسية المغربية . فجاءت فكرة تنظيم الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية بمبادرة مغربية كذلك ، في أواسط الثمانيناتفي إطار منظمة الوحدة الإفريقية لكن ،في 12 نوفمبر 1984 انسحب المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية احتجاجا على منحها العضوية لـما يسمى”الجمهورية الصحراوية”، وأعلن رغبته في أن تتولى منظمة الأمم المتحدة الإشراف على جهود حل قضية الصحراء.

وهنا ندخل مرحلة أخرى  لتبدأ جهود المنتظم الدولي في البحث عن تسوية ، مرت بعدة مراحل لكن تبقى بداية التسعينيات أي مع تعيين الأمين العام للأمم المتحدة ممثلا خاصا لهفي  19 يناير 1990 في شخص الدبلوماسي السويسري “جوهانس مانس”خلفا “لهيكتورغروسإيبيل”، حيث استضافت العاصمة السويسرية جنيف أول اجتماع للشيوخ الصحراويين .بداية يونيو 1990 ، وفي 18 منه تقدم الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بتقريره الكامل وفيه مقترحاته الخاصة بحل مشكلة الصحراء، وتمت المصادقة عليه وعلى إجراءات تطبيقه بقرار أصدره المجلس برقم 658 يوم 27 يونيو 1990.

وفي 29 أبريل 1991 أقر مجلس الأمن بقراره رقم 690 تشكيل بعثة أممية لتنظيم الاستفتاء في الصحراء ،والتي تعرف اختصارا بـ”المينورسو” (MINURSO). وبموجب هذا القرار تم التوقيع  على اتفاق وقف إطلاق النار  يوم 6 شتنبر من نفس السنة ليدخل حيز التنفيذ في نفس اليوم. لتنطلق عملية الترتيبات والاستعدادات تمهيدا لإحصاء الذين يحق لهم التصويت في لاستفتاء، حيث  أكدت اللجنة الرابعة للأمم المتحدة مجددا في اجتماع لها يوم 3 نوفمبر1995 على  ضرورة إجراء استفتاء في الصحراء حر وعادل ونزيه بعيدا عن أي ضغوطات إدارية أو عسكرية، ودعت طرفي النزاع إلى الدخول في مفاوضات مباشرة. لكن سرعان ما توقفت عملية تحديد الهوية في دجنبر 1995 بسبب خلافات كبيرة حول الشروط المطلوب توفرها في الناخبين.

  *يعني ستدخل القضية مرحلة جديدة بعد تجميد عملية تحديد الهوية، لكن هل ستستمر الجهود الأممية لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع للسير بعملية تحديد الهوية إلى الأمام أم سيلجأ المنتظم الدولي للبحث عن خطط بديلة؟

  **خلال هذه الفترة بالذات  يوم17 مارس 1997 عين الأمين العام الجديد للأمم المتحدة كوفي عنان وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر مبعوثا له خاصا بالصحراء والذي بدأ جولته الأولى للمنطقة في 23 أبريل من نفس السنة سعيا منه إحياء عملية تحديد الهوية والدفع بمسلسل التسوية ودعا الأطراف إلى مفاوضات مباشرة كانت أولى  جولاتها في يونيو 1997 بلندن، حيث ستتوج في مرحلة  أولى بالتوقيع على ما بات يعرف ب” اتفاقية هيوستن”، في شتنبر 1997 ، والتي نصت على تحديد هوية الناخبين المدعوين للاستفتاء، وإعادة توطين اللاجئين، وتحرير وتبادل الأسرى. وفي 3 ديسمبر استؤنفت عملية تحديد الهوية التي جمدت عام 1995 لإنجاز المرحلة الثانية منها، والتي استمرت حتى 3 من شتنبر 1998 ليصبح مجموع من حُددت هويتهم في المرحلتين 147348 شخصا. وفي أكتوبر 1998 قام الأمين العام الأممي كوفي أنان بجولة في المنطقة عرض خلالها مقترحات لتجاوز الخلاف حول تحديد هوية القبائل محل الخلاف، لتنشر الأمم المتحدة في يوليوز 1999 لوائح المؤهلين للتصويت الخاصة بالمرحلة السابقة.ثم بعد ذلك بأشهر  أي في يناير 2000 سيتم نشر لوائح  المؤهلين للتصويت من القبائل محل خلاف والذين حصرت الأمم المتحدة عددهم في 86 381 شخصا. علما أن خطة الاستفتاء قد توقفت في دجنبر 1999 بسبب العراقيل والشروط التعجيزية التي تصر عليها جبهة البوليساريو بإيعاز من صنيعتها الجزائر خصوصا لما تبين بالملموس أن الاستفتاء لن يكون إلا تأكيديا لمغربية الصحراء.

  *هل توقفت عملية تحديد الهوية بصفة نهائية، وبالتالي الإعلان عن وأد مخطط الاستفتاء ؟

  **نعم يمكن اعتبار الاستفتاء مستحيلا في ظل تشبث كل طرف بشروطه، وخاصة جبهة البوليساريو التي توصلت إلى قناعة بأن الاستفتاء في الصحراء لن يكون إلا تأكيديا لمغربية الصحراء، ولجأت إلى كل الوسائل لنسف عملية تحديد الهوية برفض قبائل صحراوية بكاملها.

  *بمعنى أن القضية ستأخذ منحى آخر؟

  **بالتأكيد سيشكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1342 المؤرخ ب 27فبراير 2001 نقطة تحول في مسار التسوية حيث سيبدأ الحديث عن البحث عن حل سياسي متفق عليه بين جميع الأطراف،اعتمادا على المبادرة الفرنسية الأميركية التي تقترح حلا سياسيا لمشكلة الصحراء، ودعوة جيمس بيكر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى حل تفاوضي بين الطرفين، مما يعني تخلي الأمم المتحدة عن خطة الاستفتاء. وطرح جيمس بيكر ما سمي بالاتفاق الإطار الذي ينص على استقلال  موسع مع احتفاظ المغرب بالسياسة الخارجية والعملة والعلم مهددا بالاستقالة إن لم يؤيد مجلس الأمن خطته لحل هذا النزاع. وكان مصير مقترحه الرفض التام.

وفي يناير 2005 عين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثا جديدا خلفا ل”جيمس بيكر “ويتعلق الأمر  بالهولندي “بيتر فا فالسوم”، وفي خضم هذه التطورات أعلن جلالة الملك محمد السادس خلال زيارة للعيون عن عزم المملكة المغربية منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا في إطار السيادة المغربية،و11 أبريل 2007 قدم المغرب للأمين العام للأمم المتحدة المبادرة المغربيـة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي في الصحراء.

  *إذن مع تقديم المملكة المغربية لمبادرة الحكم الذاتي ، نكون قد طوينا ما كان يهيأ له ، أي الاستفتاء؟

  **نعم، ففي أبريل 2008  جاء التأكيد على لسان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد “فان فالسوم” الذي صرح بأن خيار الاستقلال الذي تطالب به جبهة البوليساريو “خيار غير واقعي”، بينما انتقدت الجبهة فالسوم واعتبرته “منحازا للمغرب، ليعين السفير “كريستوفر روس “خلفا له في يناير 2009، لتبدأ جولات مكوكية للمنطقة في محاولة جديدة للدفع بمسلسل التسوية السياسية لكن لم يتحقق أي اختراق يذكر خصوصا مع استمرار جبهة البوليساريو مدعومة بجنرالات الجزائر  في التشبث بموقفهما الذي أصبح متجاوزا بشهادة المنتظم الدولي خصوصا في ظل تنامي التهديدات الإرهابية في المنطقة   حيث قال روس : إن تسوية النزاع باتت أكثر إلحاحا بسبب الوضع الأمني المضطرب في منطقة الساحل الأفريقي نتيجة الحرب في مالي، وانتشار المجموعات المسلحة، وتفشي تجارة الأسلحة في المنطقة.وهذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة أكثر من   مناسبة، لكنه نسي أو تناسى تصريحاته السابقة ليخرج عن الأعراف الدبلوماسية في خرق صارخ لميثاق الأمم المتحدة من خلال تصريحاته الأخيرة خلال زيارة مخيمات تيندوف.

  *هناك بعض المحاولات التي تقوم بها البوليساريو والجزائر لتغيير مهمة المينورسو لتشمل ما يسمونه مراقبة حقوق الإنسان، وكذلك محاولات لإقحام الاتحاد الافريقي في الملف ، كيف يمكن تفسير ذلك؟

  **كانت أخر محاولة على ما أذكر في  أبريل 2015 عندما تقدم الاتحاد الإفريقي  توسيع مهام بعثة “المينورسو” لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية،لكن المغرب رفض  رفضا قاطعا لأي دور أو تدخل من الاتحاد الأفريقي في هذا الملف.وتستمر المحاولات اليائسة لتحوير مهمة المينورسو  الطبيعية التي تنحصر طبقا لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار  ، والإعداد للاستفتاء وبما أن الاستفتاء أصبح متجاوزا، ونحن بصدد البحث عن حل سياسي متفاوض بشأنه مقبول من جميع الأطراف ، فإن مهمة المينورسو أصبحت جدا محدودة ومحددة مراقبة وقف إطلاق النار فقط.

      ثم لا ننسى أن مجلس الأمن في قراره رقم 1754 في عام 2007  رحببالمبادرة المغربية التي وصفها بالجادة وذات المصداقية، مطالباً الأطراف بالدخول في مفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم. الشيء الذي لم يرق للجزائر التي زجت بلاعبين جدد غير حكوميين مؤخراً في ملف الصحراء على غرار مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام للضغط على المغرب، فضلا عن استعانتها ببعض مؤسسات المجتمع المدني الغربية مثل مركز كيندي الأمريكي، ومؤسسة بريطانية تضم الدبلوماسيين المتقاعدين لتبنى مواقف مناهضة للمغرب في هذا الملف من خلال شرائهم بالمال.

لكن المملكة المغربية متشبثة بمواقفها وتعتبر مقترح الحكم الذاتي السقف الذي لن تتجاوزه لحل القضية، وهذا نلمسه في سياسة الحزم والجرأة التي أصبحت تتسم بها جميع المواقف الرسمية  الاخيرة للمغرب خصوصا عندما أعلن  أنه ليس لديه مشكلة في قيام كريستوفر روس المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بزيارة إلى الأقاليم الجنوبية ولكن بعد توضيح الأساس الذي ستدور حوله المناقشات والتعريف بالغرض من تلك الزيارة. ثم الرفض التام لتقرير الأمين عام الأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن في ابريل 2014 لأنه اعتبره تضمن العديد من المغالطات، كما عبر عن عدم رضىاه عن أسلوب اختيار الكندية بولدوج لتولى منصب ممثل خاص للأمين  العام ورئيس لبعثة المينورسو، حيث أن هذا الاختيار تم دون التشاور المسبق مع المغرب. ثم الوقفة الحازمة والصارمة في وجه بان كي مون ردا على تصريحاته الغير مقبولة . وقد شاهد العالم بأسره تلك الهبة الشعبية التي وحدت جميع أطياف المجتمع المغربي وفئاته ، هنا أبان المغاربة عن وعي ومسؤولية أن الوحدة الترابية للمملكة المغربية خط أحمر لن ولن يقبل أحد بتجاوزه كيفما كان .

  *كلمة أخيرة

 ** إننا كمغاربة نعتبر بناء المغرب الكبير خيارا استراتيجيا ، لا مفر منه لمواجهة الأزمات العالمية – خاصة السياسية و الاقتصادية منها – والوقوف في وجه التحديات والمخاطر الإرهابية التي تتربص بالمنطقةونؤكد أن دولة واحدة غير قادرة على ذلك إلا بالتعاون مع جيرانها .و لنا في التاريخ عبرة فدول جمعت بينها عداوة تاريخية و تسببت في حروب كونية – كألمانيا وفرنسا – راجعت موقفها واختارت التعاون بدل من كسر الجهود وبنت اتحادات قوية كالاتحاد الأوربي .
تبقى الصحراء انطلاقا من الحقائق السياسية والتاريخية والجغرافية والحضارية والعرقية مغربية أرضا وانتماء وهوية …