عبد الرحيم لحبيب
لازال المغرب ينتظر انتخابات تفرز مجالس يحس المواطن أنها من صلب المجتمع، تخدم قضايا الوطن و المواطن
في تعليقه على نتائج المسلسل الانتخابي للجماعات الترابية 2015، بدءا من انتخاب الغرف المهنية، و الانتخابات الجماعية و الجهوية، و انتخاب مجالس العمالات و الأقاليم، أبرز الأخ المصطفى بنعلي، الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية، أن كل استحقاق من هذا المسلسل، كان يفرز خريطة سياسية معينة، و أن استقراء كل هذه الخرائط، يلخص أن المغرب قد تقدم بعض الخطوات، على الرغم من بعض الملاحظات، و أنه اليوم في حاجة إلى مجهود كبير، ليتقدم أكثر، في مجال إفراز أغلبيات سياسية، لا أغلبيات عددية، حتى تصبح الانتخابات في بلادنا، تفرز مجالس يحس المواطن، أنها من صلب المجتمع، و في خدمة قضايا الوطن و المواطن.
نتائج الجبهة في الاستحقاقات الأخيرة تعبر عن ارتياح كبير لمكانتها السياسية داخل المشهد السياسي الوطني
و بخصوص تقييمه لنتائج مشاركة جبهة القوى الديمقراطية، في هذه الاستحقاقات، عبر الأمين العام عن الارتياح الكبير من الناحية السياسية، مذكرا أنه، و بالنظر إلى السياق، الذي خاضت فيه الجبهة انتخابات 2015، فقد تميزت المشاركة بالعزيمة السياسية لتأكيد مكانة الجبهة داخل المشهد السياسي الوطني، بغض النظر عن الأرقام، مضيفا أن الحزب، برصيده السياسي و النضالي، أعطى مؤشرات، على مناضلاته و مناضليه، استيعابها و التقاط أبعادها من أجل المستقبل، خصوصا أنه من الناحية الانتخابية الصرفة، المتمثلة في عدد المقاعد، فالواقع يدعو الحزب إلى مضاعفة الجهود، من أجل بلوغ التمثيلية، التي تعكس حقيقة التوازن الشعبي و المجتمعي، الذي تحظى به جبهة القوى الديمقراطية داخل المجتمع.
الجهوية في بعدها الموسع بوابة من أجل التنمية المحلية
و في رده عن سؤال مرتبط بمدى قدرة الجهوية الموسعة كورش كبير دشنه المغرب في الاستحقاقات الأخيرة، على تحقيق التنمية المنشودة؟ و حدود مساهمة إقليم بركان في خلق تنمية في إطار هذا التوجه الجهوي الموسع، أوضح الأخ بنعلي أن مفهوم الجهوية يلفه نوع من الهلامية لدينا في المغرب، فالجهوية هي اختيار للدولة الديمقراطية، و اختيار أصبح لكل الأمة المغربية بعد دستور 2011، الدولة تتدمقرط عبر مؤسساتها، انطلاقا من اللا مركزية الديمقراطية، التي انطلقت منذ الستينات، حيث تعمق هذا المسلسل مع الجماعات المحلية بظهير 1976، ثم تجربة1992، التي أفرزت تجربة أخرى في أفق أن الجهوية بدأت كجهات إدارية.
و أضاف الأخ بنعلي أنه الآن وصلت القناعة لدى كل الفاعلين على أن الجهوية هي مستقبل المغرب، بنهج سياسة القرب، و من أجل تنمية أكبر، من خلال إدماج المعطيات المجالية و السوسيو ثقافية، كفاعل أساسي في التنمية، و لذلك فالجهوية الآن هي في نقطة تحول كبرى، من خلال القانون المنظم لها، و لكي ينجح هذا المشروع، ينبغي أن يكون تجربة، تعتمد التدرج في خطواتها الأولى، لأن نقل الصلاحيات من الدولة المركزية إلى الجهات، يحتاج إلى إمكانيات و هذا عمل شرعنا فيه لأن 5 في المائة مقارنة مع تجارب الدول الديمقراطية قليل، و لكن بالنسبة للمغرب يمثل أهمية، نحتاج إلى شيء من الوقت، لأن نظام الجهوية في بعدها الموسع يجب أن تكون فضاء و بوابة من اجل التنمية المحلية، و أعتقد بأن هذه التجربة، تستوجب انخراط كل المجالات في هذا السياق.
كان الأجدر أن يكون إقليم بركان مركز الجهة على مستوى الغرفة الفلاحية
و بخصوص إقليم بركان ومساهمته في التنمية، قال الأمين العام أنه إقليم مهم في المنطقة الشرقية، لديه إمكانيات و مؤهلات اقتصادية و بشرية جد مهمة، إلا انه من ناحية التقسيم، لم يتم إنصافه في هذه التجربة، على اعتبار أنه فيما يخص مجال الغرف المهنية، كان هناك نوع من التوجه، على المستوى الوطني، أربع غرف مهنية أصبحت في النظام الجديد غرفا جهوية، بحيث أن مركز الغرفة يتلاءم و ينطبق مع مركز الجهة، باستثناء أربع غرف، فيما يخص مثلا الرباط الدارالبيضاء، مقر الجهة الفلاحية يتواجد بالقنيطرة، نظرا للثقل ألفلاحي لإقليم القنيطرة، الأمر نفسه بالنسبة لطنجة مركزها بالعرائش، و الدارالبيضاء مركزها بالجديدة.
و لهذا يعتقد الأخ بنعلي بأن وضع إقليم بركان، كان الأجدر أن يسير في نفس السياق، بان يستفيد من الثقل ألفلاحي، الذي يتميز به، من أجل أن يكون بوابة، لتأهيل القطاع ألفلاحي، في المنطقة الشرقية، لما للقطاع ألفلاحي من ثقل، من الناحية الاقتصادية، في مواجهة جيراننا على مستوى الشرق أولا، ثم كذلك في أفق انفتاح اقتصادي مهم على الواجهة الأوربية، و بالتالي وجب أن يكون إقليم بركان هو مركز الجهة على مستوى الغرفة الفلاحية، ومع الأسف لم تتم هذه العملية، و وجب أن نشير إليها من أجل أن تراعى في الجهوية مستقبلا، جميع المؤهلات، من أجل التكامل ألمجالي، في الفضاء الذي تشكله.
الحزب الاشتراكي الكبير أصبح اليوم ضرورة أكثر منه حلما
و في معرض جوابه عن مآل مبادرة الجبهة، كحزب سياسي يساري، دعا إلى تكتل الأحزاب السياسية اليسارية، لتكوين الحزب الاشتراكي الكبير، باعتباره حلما لم يتحقق إلى الآن، في ظل سيطرة الأحزاب التقليدية و المحافظة على المشهد السياسي الوطني،أكد الأخ بنعلي، أن تجميع اليسار اليوم لم يعد حلما أكثر منه ضرورة، لأن المتتبع للحياة السياسية الوطنية، يتبدى له أن المغرب مجتمع منقسم إلى قطبين:قطب محافظ لاحت معالمه، و هويته، و له من يدعم إيديولوجيته، متماسك تنظيمه، في مقابل قطب اليسار لقوى الحداثة و الديمقراطية، يطبعه التشتت، عاجز عن رسم روابط الاتصال مع المجتمع، مع الأخذ في الاعتبار أن المغرب يغلب عليه طابع المحافظة، فالقوى محافظة و الأسرة محافظة، و علاقات الإنتاج محافظة، بل و حتى النقابات محافظة.
لذلك، يردف الأخ بنعلي، فقوى اليسار و الحداثة و الديمقراطية، مفروض عليها الآن، تجميع شتاتها، من أجل إعادة رسم وظائفها، داخل المجتمع المغربي، إن هي أرادت أن تلعب دورها في هذه المرحلة، لأنه بالنظر إلى السياق العالمي، هناك عدد من قوى اليسار استرجعت دورها في المجتمع، و الذي هو في الحاجة إلى العدالة الاجتماعية، و كرامة المواطن، و كل القيم الكبرى التي يدافع عنها قطب اليسار.
كما أن مبادرة الجبهة، انعقدت في سياق إحداث الحزب الاشتراكي الكبير، يضيف الأخ بنعلي، جازما أن المجتمع المغربي لازال في حاجة إلى مجهود إضافي آخر، لكي تستوعب قوى اليسار الحاجة إلى جمع شتاتها، مبرزا أن جبهة القوى الديمقراطية، و منذ مبادرة2009، إلى الآن أبانت عن إلحاحية تطوير المبادرة، خاصة و نحن نتحدث الآن عن هذا التجميع، فالأمر أصبح من السهل إذا استحضرنا السياق، الذي يعيشه المغرب، سياق ما عرف بالربيع العربي، الذي تحول إلى أشواك و دماء، ثم إن اليسار لا يوجد فقط في الأحزاب السياسية و النقابات التقدمية، بل هو موجود في المجتمع، كما أن هناك اليوم عدد من الفعاليات و الجمعيات، و القوى الحية في المجتمع تؤمن بقيم اليسار، و هي التي يتوجب الاشتغال من أجل مساهمتها في بناء مغرب الحداثة و الديمقراطية.
فوز أول و أصغر رئيسة جماعة في المغرب مرشحة الجبهة ترجمة لجهود الحزب في التعاطي مع فئات الشباب و النساء
و في تعليقه على بعض النتائج السارة، التي حصلتها جبهة القوى الديمقراطية، خاصة فوز الأخت الشابة إكرام بوعبيد كأول وأصغر امرأة في تاريخ الجماعات الترابية على رأس الجماعة القروية أولاد علي الطوالع ببن سليمان، أشار الأمين العام أن الجبهة، و منذ تأسيسها، عملت على بذل مجهود، في اتجاه انخراط الشباب و النساء في العمل السياسي، كفئات ظلت لمدة طويلة عازفة، و بالتالي فتحصيل الحاصل أن مجموعة من الشباب و النساء، داخل الجبهة يمارسون العمل السياسي و النضالي، من داخل أجهزة الحزب، على كل مستوياتها، لأن الجبهة كانت خصصت “كوطا” للشباب و النساء، في كل هياكلها القيادية، قبل أن يتم وضع قانون الأحزاب السياسية.
و أضاف الأخ بنعلي أن تتويج الأخت إكرام بوعبيد، على رأس جماعة و إن كانت قروية قريبة من المحور، فهي تمثل المغرب العميق، بالنظر إلى طبيعة المشاكل التي تعانيها، فهذا الفوز هو تقدير للجهود التي بذلها الحزب في هذا الاتجاه، كما أنه أيضا تحصيل حاصل على أن العائلة التي تمارس السياسة، يكون أبناؤها مهتمين بالشأن السياسي.
و استطرد الأخ بنعلي، موضحا أن الإرادة الحقيقية لقيام مصالحة الشباب مع العمل السياسي، تقتضي بذل مجهود أولا على مستوى الدولة، و هو ما يتجلى في عدد من القوانين و المبادرات الملكية، و ثانيا على قنوات التنشئة الاجتماعية أن تلعب دورها في دعوة الشباب إلى العمل السياسي. فعندما تكون الأسرة و المدرسة و المسجد و جميع قنوات التنشئة الاجتماعية تدعو إلى مشاركة الشباب، فثقل الشباب في العملية السياسية سينتقل، لأن مستقبل المغرب و مستقبل الفئات السياسية رهين بمدى مشاركة أوسع الفئات الشعبية، و على رأسها الشباب.
المرحوم ألخياري ترك حزب مؤسسات قائما بذاته غير مرتبط بأشخاص
و حول سؤال يتعلق بوزن المرحوم التهامي ألخياري، في الحياة السياسية الوطنية، و مدى تأثير غيابه في تراجع نتائج الجبهة في الاستحقاقات الأخيرة، و في حضورها في المشهد السياسي الوطني، و الظروف الداخلية للحزب، أجاب الأخ بنعلي أن المرحوم رجل وطني سياسي، مشهود له بتجربته الغنية، و كان وجها بارزا في السياسة الوطنية، و إخلاصه لمبادئ الوطن و كذلك لمبادئ القطب الحداثي الديمقراطي الوطني، و كل هذا لا علاقة له بنتائج الانتخابات، لان تقلص نتائج الانتخابات كان في عهد المرحوم التهامي ألخياري، و كان أساسا في انعطافة2011 والتي تلاها مباشرة المؤتمر الوطني 2012.
و في السياق ذاته أضاف أن الحزب كالإنسان يعيش في بعض المراحل مدا و جزرا، و الحزب في أفق الاستحقاقات المقبلة سيعيش انعطافة جديدة، و ستفاجئ الجبهة الجميع، و ستسترجع كل المد الذي كان لها على المستوى الجماهيري و التنظيمي، و إن كان على مستوى الرصيد السياسي و النضالي للحزب برز بالملموس ، منذ وفاة المرحوم إلى الآن، أنه حزب مؤسسات، برصيده السياسي و النضالي المتجسد في كل القوى الفاعلة فيه، و نقطة التفوق أن المرحوم التهامي ألخياري، بعد وفاته ترك حزبا سياسيا قائما بذاته، غير مرتبط بشخص إن على مستوى الحزب أو على المستوى الوطني.

X